آخر الأسبوع –
تقرير تحليلي / علم الدين عمر
الفاشر وكردفان في عين العاصفة..
عودة الدولة.. وتخبط المليشيا
مؤسسات الدولة تتأهب لاستئناف العمل الرسمي من العاصمة..
محاولات تحالف طائش مع حفتر لخنق السودان من الغرب..
حكومة إدريس تقترب.. مشاورات عميقة و نفي رسمي للتسريبات..
تفكك داخل حواضن الجنجويد بكردفان بعد تصريحات حميدتي المهينة..
موجة قمع شرسة ضد الإدارات الأهلية ووفاة غامضة للناظر الشوين..
..مع تأكيد السيطرة الكاملة للقوات المسلحة على العمليات العسكرية تواصل هذا الإسبوع الإنتقال القوي من مرحلة الدفاع إلى التأسيس.. وفي المقابل تزداد مؤشرات التفكك داخل مليشيا الدعم السريع في دارفور وكردفان..بينما تترقب الأوساط السودانية لحظة الإعلان عن الحكومة الإنتقالية الجديدة بقيادة الدكتور كامل إدريس.. وسط تسريبات وإرباك إعلامي.
الخرطوم تستعيد دورها.. والوزارات تعود تباعاً..
التوجيه الرئاسي بإعادة تشغيل المؤسسات الحكومية من داخل الخرطوم دخل حيز التنفيذ التدريجي هذا الأسبوع وبدأت وزارات مثل العدل، الداخلية، المالية، والتعليم إضافة لرئاسة الوزراء تنسق لعودة كوادرها في مقار بديلة في وقت بدأت الدولة تسعيد فيه رمزية حضورها في العاصمة بعد تحريرها بالكامل..وتوجيه والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة بإستئناف عمل الوحدات والوزارات الولائية بمواقعها.
هذا التحول يعني تجاوز مرحلة “الإدارة من العاصمة البديلة”..والدخول الفعلي في إعادة بناء مركز القرار السوداني من رمزيته التاريخية.
الفاشر وكردفان: المليشيا تواجه نزيفاً معنوياً ومجتمعياً..
في شمال دارفور و خاصة الفاشر إستمرت المليشيا في محاولات فاشلة لفرض “إدارة مدنية” رغم الهزيمة الإجتماعية والسياسية المتواترة في ظل نزوح شبه جماعي للمواطنين..وأنعدام كامل للخدمات الأساسية وتكسر محاولاتها اليائسة لإقتحام العاصمة التاريخية لدارفور وإستبسال القوات المسلحة والقوي المشتركة والمستنفرين في الدفاع عنها.
أما في كردفان الكبرى فقد تفاقم المأزق مع أرتداد مجتمعي كبير داخل الحواضن التقليدية للمليشيا.. نتيجة حالة السخط المتصاعدة بعد تصريحات صادمة للمتمرد حميدتي.. دعا فيها جرحى قواته للصبر حتى يتمكن من بناء “مدن طبية لعلاجهم” وهو ما وُصف بأنه مهين ومثير للسخرية لرجل مطارد ومجهول المصير.
هذه التصريحات فجرت موجة من الغضب داخل صفوف المقاتلين.. وأدت إلى إنهيارات نفسية وعمليات هروب جماعية في مناطق واسعة ومؤثرة في ظل عجز المليشيا عن توفير الحد الأدنى من الرعاية لمقاتليها وجرحاها ودفع تعويضات القتلي..
قمع متصاعد وأغتيالات مبطنة ..
كرد فعل مباشر على تململ القيادات الأهلية أصدر قائد ثاني المليشيا عبد الرحيم دقلو توجيهات صارمة بتهديد ومعاقبة كل من يرفض الإستنفار أو يتحدث عن ملف القتلى والجرحى.. واعتبر ذلك “خيانة للمعركة”..
وفي هذا السياق أثارت الوفاة الغامضة للناظر الشوين في مدينة الفولة (غرب كردفان) صدمة واسعة ..وسط شكوك متزايدة حول تورط عناصر من المليشيا في تصفيته بشكل أو آخر بعد أن أبدى اعتراضاً واضحاً على الإستمرار في تجنيد أبناء القبائل وعدم التعامل مع ملف الجرحي والهلكي والمفقودين ..
الحادثة التي ما زالت تفاصيلها غامضة تؤكد أن المليشيا لم تعد تحارب الجيش فقط.. بل تخوض معركة بقاء داخل صفوفها وحواضنها.
حفتر والدعم السريع.. تحالف مأزوم ..
على الجبهة الغربية حاولت المليشيا الترويج لمعالم مشروع دعم من قبل اللواء الليبي خليفة حفتر عبر تسهيل التحركات في محيط الكفرة وسبها ومثلث الحدود السوداني المصري الليبي ومناطق جبل العوينات وأخيراً منطقة كرب النور الحدودية ..
لكن السلطات الليبية الرسمية سارعت إلى نفي أي علاقة لها بالحراك المسلح وأستنكرته وأعتبر مستشارون رسميون ما يقوم به حفتر “مغامرة غير محسوبة” قد تؤدي إلى إدخال ليبيا نفسها في أتون أزمة إقليمية يصعب الخروج منها.
التحالف بين حفتر والمليشيا لا يبدو فاعلاً ميدانياً أو سياسياً بل زاد من عزلة الطرفين وأحرج بعض العواصم التي كانت تراهن على دعم غير مباشر لمشروع الفوضى وأحرج الجنرال الليبي الذي يبدو أنه يبحث عن طريقة تخرجه من هذا المأزق المدمر كما وصفه مستشاره السابق محمد بويصير.
حكومة كامل إدريس.. نفي للتسريبات
ونهاية هذا الأسبوع كذلك أنشغلت الأوساط السودانية بـ تسريبات حول تشكيلة الحكومة الانتقالية الجديدة التي يقود مشاوراتها الدكتور كامل إدريس رئيس الوزراء .
التسريبات تضمنت أسماء وزراء مزعومة ووزعت عبر مواقع التواصل والمجموعات الإخبارية قبل أن يسارع مكتب رئيس الوزراء ووزارة الإعلام بنفيها رسمياً..مؤكدين أن المشاورات لا تزال جارية، وأن “الإعلان الرسمي سيتم في الوقت المناسب”.
لكن المؤكد أن المشاورات بلغت مراحلها النهائية خلال الإسبوع.. وأن البيان الحاسم قد يصدر خلال ساعات أو على أقصى تقدير خلال أيام ..لتبدأ البلاد مرحلة جديدة سياسياً.. وتنتهي معها فترة الترقب التي أمتدت منذ تكليف إدريس بمنصبه.
مفترق الطرق الأخير..
ما بعد تحرير أغلب البلاد لا يشبه ما قبلها.. المرحلة الحالية تحمل فرصاً وتحديات مصيرية.. على رأسها إعادة هيكلة الدولة.. وفرض سلطة القانون.. وتقديم رموز الحرب والدمار إلى العدالة.
لكن نجاح هذه المرحلة مرهون بقدرة القيادة على ترجمة الإنتصارات العسكرية إلى مكاسب سياسية ومؤسسية.. وبتفاعل السودانيين مع الحكومة الجديدة المرتقبة..إن هي خاطبت تطلعاتهم بصدق وجرأة.
في المقابل..تقف مليشيا الدعم السريع على هاوية التفكك الكامل..بفعل فقدان الثقة المجتمعية.. وتصاعد التناقضات داخل بنيتها..ورفض الشارع لوجودها.. ما يفتح الباب واسعاً أمام الحسم الشامل.