“الكرامة” تتلقى شكاوى من مواطنين ..
استبدال العملة .. فوضى وتجاوزات الوسطاء
الوسطاء يهددون نزاهة استبدال العملة الوطنية..
ازدحام المراكز الرسمية يدفع المواطنين إلى السوق السوداء
تساؤلات حول مصادر أموال الوسطاء رغم قيود السحب المصرفي..
تمديد فترة استبدال العملة لا يوقف استغلال المواطنين..
خبراء يحذرون من استغلال المليشيا لثغرات النظام المصرفي…
مطالب بتوسيع المراكز الرسمية وتشديد الرقابة على الأسواق
أموال البنوك المنهوبة تضع تغيير العملة في مهب الريح..
غياب الحلول الجذرية يفاقم أزمة استبدال العملة
تقرير :رحمة عبدالمنعم
رغم افتتاح مراكز معتمدة لاستبدال العملة الوطنية في معظم المدن السودانية الآمنة، إلا أن شكاوى المواطنين من الظاهرة المتزايدة للوسطاء مستمرة ، ورغم إصدار الحكومة قراراً بتمديد فترة استبدال العملة لتخفيف الضغط، إلا أن مشكلات الازدحام والفوضى التنظيمية دفعت البعض إلى اللجوء إلى وسطاء غير رسميين، ما يثير تساؤلات خطيرة حول مصدر الأموال الضخمة التي يديرها هؤلاء، خاصة مع وجود قيود صارمة على السحب والإيداع.
أزمة مستمرة
في مدينة ربك بولاية النيل الأبيض، قال المواطن ضياء الدين محمد لـ”الكرامة”:ذهبت إلى أحد المراكز الرسمية، لكن الازدحام الشديد جعلني أقف ساعات طويلة بلا جدوى ،وفي النهاية اضطررت إلى التعامل مع أحد الوسطاء الذي خصم نسبة كبيرة من قيمة العملة القديمة”.
أما في مدينة بورتسودان، أشارت المواطنة ميادة عبدالواحد إلى أن المراكز الرسمية غير كافية لاستيعاب أعداد المواطنين الراغبين في الاستبدال، مما يجعلنا مضطرين للجوء إلى السوق السوداء، لا يمكننا الانتظار إلى ما لا نهاية
ورغم تمديد فترة الاستبدال بقرار حكومي، إلا أن المواطنين يرون أن الخطوة غير كافية إذا لم تُعالج جذور المشكلة، لا سيما أن الممارسات غير الرسمية باتت تهدد نزاهة العملية.
مصادر الأموال
أحد الأسئلة الكبرى التي يطرحها المواطنون والمراقبون هي: من أين يحصل هؤلاء الوسطاء على مبالغ ضخمة من العملة الجديدة رغم أن الحكومة فرضت قيوداً صارمة على السحب النقدي؟.
الحكومة حددت سقفاً قدره مليار جنيه كحد أقصى للسحب لكل شخص، مع إلزام المواطنين بإيداع بقية الأموال في حساباتهم المصرفية،ورغم ذلك يلاحظ وجود كميات كبيرة من العملة الجديدة في أيدي الوسطاء، مما يثير شكوكاً حول دور الميليشيات والجماعات غير القانونية في استغلال هذه الثغرة
دور الميليشيا
الخبير الاقتصادي د. هيثم محمود أشار إلى أن وجود هذه الكميات من الأموال الجديدة خارج النظام الرسمي قد يكون نتيجة استغلال ميليشيات الدعم السريع والجماعات النهابة للأموال المنهوبة من البنوك والشركات خلال الشهور الماضية
وأضاف لـ”الكرامة”:هذه الثغرة تضعف الهدف الأساسي من استبدال العملة، إذ أن هذه الجماعات يمكن أن تستخدم الوسطاء لتغيير العملة القديمة إلى جديدة، مما يهدد العملية برمتها..حد قوله
الصحفي محمد عثمان يرى أن الوسطاء ليسوا مجرد أفراد يبحثون عن الربح السريع، بل ربما يكونون جزءاً من شبكات منظمة تستغل ضعف الرقابة على الأسواق وثغرات النظام المصرفي، هذا يضع مسؤولية كبيرة على عاتق الحكومة للسيطرة على الوضع.
من جانبه، أكد أستاذ القانون د. هشام عبدون لـ”الكرامة”:أن هذه الظاهرة تُظهر بوضوح وجود خلل كبير في التنفيذ.،القرارات الحكومية لم تُصاحبها إجراءات صارمة لمنع أي استغلال، وهو ما أتاح الفرصة لهؤلاء الوسطاء للعب دورهم التخريبي.
معالجة الأزمة
ولمواجهة أزمة استبدال العملة وضمان نجاح العملية،يرى خبراء اقتصاديون انه يجب على الحكومة اتخاذ خطوات متكاملة تبدأ بتوسيع عدد المراكز الرسمية المعتمدة وتوزيعها جغرافياً بطريقة تراعي الكثافة السكانية ،هذا الإجراء سيساهم في تخفيف حدة الازدحام الكبير الذي يعاني منه المواطنون في معظم المدن ،كما يجب تفعيل دور الأجهزة الرقابية لمتابعة الأسواق بشكل دقيق، لمنع التلاعب بأسعار استبدال العملة ومعاقبة الوسطاء المتورطين في استغلال حاجة المواطنين.
إلى جانب ذلك، يصبح من الضروري تشكيل لجنة تحقيق شفافة لمعرفة مصادر الأموال الجديدة التي تتوفر لدى الوسطاء، خاصة في ظل وجود تقارير تشير إلى استغلال ميليشيات الدعم السريع للأموال المنهوبة من البنوك والشركات لتغيير العملة عبر هذه الشبكات،و مراجعة السياسات المصرفية لسد الثغرات التي قد يستغلها هؤلاء الوسطاء أمر بالغ الأهمية، خصوصاً أن السحب النقدي مقيد بسقف محدد لا يسمح بامتلاك مبالغ ضخمة خارج النظام المصرفي.
على صعيد آخر،وبحسب الخبراء فإن الحكومة تحتاج إلى إطلاق حملات توعية شاملة تستهدف المواطنين، لتوضيح مخاطر التعامل مع الوسطاء وتشجيعهم على الالتزام بالقنوات الرسمية، ولا بد أن تترافق هذه الحملات مع تخصيص خطوط ساخنة أو منصات إلكترونية لتلقي شكاوى المواطنين ومتابعتها بجدية
وأخيراً، يجب تعزيز التنسيق بين الجهات الأمنية والاقتصادية لضبط الأموال المتداولة خارج النظام الرسمي، والحد من انتشار السوق السوداء، التي تهدد نزاهة العملية. هذه الإجراءات المتكاملة قد تعيد الثقة للمواطنين وتضمن تحقيق الأهداف المعلنة لعملية استبدال العملة.
الجهات المعنية
وتظل عملية استبدال العملة الوطنية في السودان في مواجهة تحديات كبرى تهدد أهدافها الأساسية ،ومع استمرار ظاهرة الوسطاء واستغلال المليشيا المتمردة للثغرات، بات من الضروري أن تتحرك الحكومة بخطوات أكثر فاعلية لضمان نزاهة العملية واستعادة ثقة المواطنين ،فهل تستطيع الجهات المعنية معالجة هذه الأزمات قبل أن تصبح عملية استبدال العملة في مهب الريح؟..