النصر المؤزر وأبعادهـ في (معركة الكرامة)
الحلقة الاولى
حروب المدن من أكثر الأنواع ضراوة للاسباب التالية(…..)..
اللواء ركن (م) د . عبد الحميد مرحوم
مقدمة :
ما ذكره الصحفي اللامع محمد جمال قندول، والدكتور إبراهيم شقلاوي، والصحفية النابهة رشان أوشي، عن قدرة القوات المسلحة على حسم التمرد خلال فترة وجيزة حوالي عشرين شهرًا، حفزني ذلك على كتابة هذه الورقة البحثية المتواضعة، التي حاولت فيها أن أسرد بعض المعلومات التي أراها مهمة لإعانة القارئ والمواطن العادي على تقييم حجم الانتصار الضخم الذي حققته القوات المسلحة السودانية والقوات المساندة والداعمة لها، عن معرفة وعلم، وليس فقط بناءً على زوايا عاطفية.
كانت الحروب وما زالت وسيلةً من وسائل تحقيق الأهداف وإعلاء المصالح الاستراتيجية العليا لكل الدول. كانت الحرب وظلت وستظل ممارسةً للسياسة بوسائل أخرى أهمها العنف المفرط في استخدام وسائل القوة مثل القوة النووية، الذرية، الكيميائية، وما يتم اختراعه من وسائل أخرى في المستقبل.
صُنفت الحرب عدة تصنيفاتٍ كحربٍ هجومية، وحربٍ دفاعية، وأخرى وقائية (مصر وإسرائيل)، وتصنيفات أخرى. كما صُنفت العمليات العسكرية حسب طبيعة الأرض أو المناخ السائد، وتسمى أحيانًا بالحروب الخاصة، نذكر منها الآتي:
أ. الحرب البرية: وتشمل كمثال:
الحرب الصحراوية: التي يكون مسرحها الرئيسي في الصحراء.
حرب الأدغال: التي تجري العمليات العسكرية فيها بمناطق الغابات الممطرة كجنوب شرق آسيا مثلًا.
الحرب الجبلية: وتدور رحاها في المناطق الجبلية مثل أفغانستان.
حرب الوديان: مثل معركة “ديان بيان فو” في الهند الصينية بين الجيش الفرنسي وميليشيا “فيت منه”.
حرب المناطق الجليدية : التي تجري عملياتها في مناطق ثلجية مثل القطبين.
الحروب البرمائية: وتستعمل فيها سفن الإنزال من البحر إلى البر.
الحرب في المناطق المبنية: التي تجري في المدن الصغيرة والكبيرة. وتعتبر أكثر أنواع الحروب الخاصة ضراوة لخصائصها المختلفة والتي يشمل بعضها الآتي:
_ ارتفاع الخسائر البشرية بنسبة كبيرة، مما يتطلب أعدادًا ضخمة من القوات والاستعداد للدفع بها في الاتجاهات المختلفة وبسرعة.
_ استهلاك معدلات عالية جدًا من الذخيرة بأنواعها المختلفة، وذلك عبءٌ كبير على المصانع وعلى وسائل النقل والإمداد.
_ الاستهلاك العالي لمواد تموين القتال (الذخيرة، الوقود، التعيينات).
_ صعوبة المناورة بالقوات والآليات والإمداد، بسبب مخلفات القصف الجوي والمدفعي التي تعوق الحركة على الطرق داخل المدن.
_ المجهود الهندسي الضخم اللازم لفتح الطرق أمام قواتنا لإغلاق الطرق أمام قوات العدو.
_ التغير المستمر في خطوط المواجهة الأمامية ليلًا ونهارًا.
_ صعوبة الإخلاء وعلاج الخسائر البشرية.
ب. الحرب البحرية:
وهي العمليات التي تجري في البحار والمحيطات، وتخوضها حاملات الطائرات، المدمرات، والغواصات (نووية أو تقليدية).
ج. الحرب الجوية:
ومن أهدافها الحيوية انتزاع السيطرة الجوية على مسرح أو مسارح العمليات من العدو، والهدف الآخر هو دعم العمليات التي تقوم بها قواتنا وتدمير قوات العدو، والقيام بعمليات الإمداد والإخلاء.
وتستخدم لذلك الطائرات القاذفة المقاتلة، وطائرات النقل، وطائرات الإسعاف، مع مجهودات جبارة للإسناد الأرضي من مطارات، ومهابط، وآليات، ومعدات والأفراد الفنيين.
د. الدفاع الجوي:
حماية المجال الجوي للدولة ومنشآتهان الحيوية ضد الهجمات الجوية المعادية، ويتم ذلك باستخدام الصواريخ والطائرات والمدفعيات المختلفة.
القيادة والسيطرة:
تحتاج القيادة والسيطرة على أعداد ضخمة من القوات والمعدات في مسارح العمليات الشاسعة إلى قدرات بشرية ذات تأهيل عالٍ وخبرات كبيرة يتم صقلها بالتدريب المستمر لتوظيف الموارد بأفضل ما يمكن حتى يتم تحقيق الأهداف المطلوبة.
تطورت أنماط القيادة والسيطرة حتى استقرت على نمطين في الحرب العالمية الثانية:
(أ) النمط الأول:
استخدمه الفيلدمارشال مونتقمري قائد الجيش الثامن في معركة العلمين، حيث كان يصدر تعليماته للقادة عبر رئيس الأركان الذي يقوم بتبليغها لقادة الفيالق وفرق الإسناد.
جدير بالذكر أنّ برنامج العمل اليومي لمونتقمري كان ينتهي عند السابعة مساءً بتناول وجبة العشاء حتى السابعة والنصف، ثم يجتمع مع رئيس الأركان لإصدار تعليماته حتى الثامنة مساءً، ثم يخلد للنوم بعد ذلك مباشرةً، ولا يجب إيقاظه من نومه إلّا في حالةٍ واحدة فقط وهي: إذا تمكن الفيلدمارشال “رومل” من تحقيق اختراق للخطوط الدفاعية البريطانية، ليقوم بإدارة معركة الدخول عبر الموانع ثم معركة الخروج أو رأس الجسر[1].
(ب) النمط الثاني:
- استخدمه الفيلدمارشال سلم SLIM، الذي كان يقود العمليات في مناطق الأدغال جنوب شرق آسيا، في معركة إمفال IMPHAL، والتي تتميز الأدغال فيها بصعوبة المناورة بالقوات والآليات وبطء التقدم نحو خطوط العدو، مما يتطلب أوامر دقيقة مباشرةً يُلزم بها القادة في جميع المستويات لتحقيق أعلى معدل إنجاز وتقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن[2
[1] مونتجومري العلمين، المؤلف تشالفونت، آلان، الطبعة الأولى الأمريكية، الناشر أثينيوم، نيويورك، 1976.
[2] Slim; The Standard bearer, RONALD LEWIN، ROLAND LEWIS، الطبعة الأولى 1 يناير 1976.