تجويع المدنيين جريمة حرب كتبت: د.ايناس محمداحمد

تجويع المدنيين جريمة حرب
كتبت:
د.ايناس محمداحمد
منذ عصور قديمة كانت هناك رغبة بدافع ديني او فلسفي لجعل الحرب اكثر انسانية ، وقد وردت افكار لحكماء وفلاسفة صينيين قدماء (القرن الرابع والقرن الخامس قبل الميلاد ) ، تحث أفكارهم علي احترام اعراف معينة في الحروب لمن لا يشاركون في الحرب والسعي نحو حرب نبيلة المقاصد والاخلاق ، كان اهم دافع لهؤلاء الفلاسفة هو حماية حياة الإنسان ، منذ ذاك الزمان والعالم يبحث عن سبل تخفيف معاناة الحرب على المدنيين وحماية وجودهم في الحياة ، ورغم قسوة تلك المجتمعات الا أنه كانت هناك اعراف صارمة متبعة في الحرب.

مع تطور الحياة الانسانية وتطور الافكار والعلوم وظهور الاديان السماوية اصبح الحق في الحياة حقا انسانيا مكفولا في كل الشرائع السماوية وله ضمانات في القوانين الوضعية ، وهو اول حق في منظومة حقوق الإنسان العالمية ، وحق الحياة محل التزام لكل الدول في مختلف الأحوال سلما وحربا خاصة للمدنيين وليكون حق الحياة موجودا علي ارض الواقع لابد من توافر عناصر مهمة منها توفير الأشياء الأساسية لحياة الإنسان واهمها الغذاء ، وهذا يتطلب ثلاث نقاط جوهرية هي الوفرة ، وإمكانية توصيله للأشخاص المعنيين من السكان المدنيين ، وكذلك الكفاية بمعني ان يكفي حاجتهم للعيش .
تتعدد اساليب تجويع المدنيين في الحرب اما بتدمير مخازن الأغذية او حرق او إتلاف المحاصيل الزراعية الأسواق والمطاحن والمخابز او عبر التحكم بفتح او إغلاق سدود المياه او شبكات الري او بفرض حصار على المدن ومنع وصول المواد الغذائية او الاغاثات والمساعدات الغذائية للمدنيين.
تجويع المدنيين كتكتيك حربي يستخدم منذ القدم فالتاريخ الانساني حافل بالعديد من صور الحصار والتجويع للمدنيين وموتهم نتيجة الجوع بإعداد كبيرة لذلك دعا المجتمع الدولي عقب الحرب العالمية الثانية الي ضرورة اجلاء المدنيين ، او علي الاقل يسمح لهم بمغادرة أماكن الاشتباك حماية لهم .
اما في العصر الحديث فهو محظور دوليا لان القانون الدولي الانساني يشمل جميع المدنيين بالحماية من الجرائم التي ترتكب بحقهم في الحروب دون أن يكونوا مشاركين فيها لكنهم يفقدون حياتهم بسببها، لذلك حظر العديد من الجرائم التي قد تقع عليهم ومنها تجويع المدنيين بحرمانهم من دخول المواد الغذائية ومنع وصول المساعدات الإنسانية حيث يعتبر دليلا كافيا علي قصد التجويع للمدنيين وبالتالي وقوع جريمة حرب .
بما ان القانون الدولي الانساني يجرم تجويع المدنيين و هذه القاعدة القانونية تستمد شرعيتها من مبدأ التمييز المنصوص عليه في القانون الدولي الانساني عبر المادة 14 في البرتوكولين الاضافيين لعام 1977م وكذلك مادة 24 فقرة (2) التي تقر بحماية المدنيين وحظر تجويعهم .

وكذلك تنص المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية علي ان اخضاع مجموعة بشرية عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا او جزئيا ، وينطبق عليه مفهوم الابادة الجماعية ، هذه وجهة نظر قانونية اخرى اضافية بمعنى ان تجويع المدنيين قد يصنف جريمة إبادة جماعية او قد يصنف جريمة حرب ، في الحالتين هي جريمة دولية يعاقب عليها القانون الدولي الانساني ويعتبر من يرتكبها او يشارك فيها او يحرض عليها مجرم حرب .
في 6 ديسمبر 2019م تم تعديل نظام روما الأساسي ليشمل التجويع المتعمد للمدنيين باعتباره جريمة حرب في النزاعات المسلحة غير الدولية ، والقاعدة 156 من القانون الدولي الانساني العرفي والتي تعتبر تجويع المدنيين وحرمانهم من الغذاء للبقاء علي قيد الحياة ، جريمة حرب .
كما اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 24 مايو 2018م قرارا يدين استخدام تجويع المدنيين كاسلوب للحرب ، وكذلك منع وصول المواد الغذائية او الاغاثات والاعانات التي لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة، ودعا جميع الدول الأعضاء الي تجريم التجويع واعتباره جريمة حرب .
في كل الأحوال يلتزم القانون الدولي الانساني بتوفير الحماية للمدنيين الذين يغادرون منطقة محاصرة او الذين يجري اجلاؤهم منها طوعا لحمايتهم .
علي ضوء ما سبق نجد انه مع استمرار المعاناة الناتجة عن الحرب في السودان ، اتهم خبراء تابعون للأمم المتحدة المليشيا الإرهابية باستخدام اساليب التجويع بحق المدنيين كاسلوب حرب مما يضاعف معاناة المدنيين ويقتل الأطفال وكبار السن .
إضافة الي تجويع المحتجزين قسريا في سجون المليشيا والامثلة كثيرة ، ذكرت منها بعض الحالات في صحيفة تايمز البريطانية حيث نشرت تقريرا مطولا يسلط الضوء على الافراج عن العديد من الأسرى والمحتجزين قسريا في سجون المليشيا بعد انتصارات القوات المسلحة في ود مدني ، وكيف خرج الالاف من الاسرى في حالة صحية متردية وسوء تغذية وأنهم تعرضوا للضرب والتعذيب الوحشي والمعاملة القاسية ونتيجة لذلك مات منهم عدد كبير ، الاسرى المفرج عنهم يحتاجون للرعاية الصحية والتغذية الصحيحة لتجاوز مرحلة سوء التغذية ، جميعهم يروون قصصا يشيب لها الولدان من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والتجويع المتعمد مع إعطائهم (كوب صغير من العدس) فقط في اليوم ، ومثله من الماء .
من جهة أخرى نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما حدث في مارس 2024 م حين احتجزت المليشيا شاحنات المساعدات الإنسانية المقدمة من ( اليونسيف ) وكانت في طريقها للفاشر للمساهمة في تخفيف الأزمة الغذائية والصحية في معسكرات النازحين خاصة بعد انتشار سوء التغذية بين الأطفال ، فقامت المليشيا بقطع الطريق على قوافل المساعدات الإنسانية و حشدت مرتزقتها عبر طريق مليط – الفاشر واستولت على المساعدات الإنسانية ، ونددت اليونسيف بالواقعة واعتبرتها مخالفة للقانون الدولي الانساني ، العجيب في الأمر ان المليشيا نفسها هي من نشر الخبر عبر الوسائط الإعلامية .
في يناير 2025م ونقلا عن وكالة الأنباء السودانية دشنت مفوضية العون الإنساني دخول شحنات مساعدات انسانية من جمهورية الصين الشعبية تتمثل في ( 1200) طن من الأرز وجهت لعدد من الولايات التي تأثرت بالحرب ، وذكرت الأستاذة سلوى ادم بنية مفوضية العون الانساني في تصريح صحفي مشترك مع السفير الصيني تشاينغ شيانغ ان الشحنات تستهدف السكان المدنيين في عدد من الولايات الا انها وجهت اتهامات للمليشيا بتعمدها منع وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين واستخدام ذلك كسلاح في الحرب ضد المدنيين ، مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة ضد المليشيا الإرهابية ، والامثلة كثيرة.

لكنها صورة أخرى من الصور القاتمة والمؤلمة وجريمة اخرى ضمن سلسلة جرائم الحرب التي ترتكبها المليشيا وهي تبحث كذبا عن( الديمقراطية )
بين دماء الأبرياء وأرواح الأطفال .

اللهم انصر القوات المسلحة نصرا عزيزا يا الله ، سبحانك لا ناصر لنا الا انت .

نواصل ،،،،،