.
.
صحيفة الكرامة – منى أبوزيد
هناك فرق – في الولاء والبراء..!*
*”لعبة الأسياد والمريدين هي لعنة سياسية سودانية خالصة”.. الكاتبة..!*
تباين الأفكار واختلاف المواعين الأخلاقية والحواضن الاجتماعية بين معظم رعاة ومنفذي مهزلة إعلان حكومة المليشيا في نيروبي وبعض حلفائهم السياسيين يؤكد أن طبيعة الحروب الأهليه التي تعول في اندلاعها على تقلبات سياسية وانقلابات عسكرية ومشكلتها أيضاً هي أن طبيعة الولاء فيها ملتبسة وأن حقيقة الانتماء فيها متداخلة وبالغة التعقيد..!
شأنها شأن المشكلات العائلية التي تنتهي إلى محاكم الأسرة، فيصعب التفريق التام بين الأخيار والأشرار والأتباع والموالين المخلصين لكل طرف منذ البداية، لكن تعاقب الأيام وحده هو الذي يثبت هذا الافتراض أو يدحض ذاك..!
مسألة الولاء لكل طرف في هذه الحرب من قبل فئات بعينها معقدة لأنها تعتمد على عدة عوامل منها الانتماءات القبلية ومنها المصالح الشخصية ومنها بعض الحالات الخاصة التي تنطلق من فقه الضرورة..!
وجوهر الفرق بين الحروب التي تقوم بين الدول والحروب الأهلية التي تندلع في ذات الدولة هو ارتفاع معدلات التعرض لأخطار النيران الصديقة التي تضمر العداء بوازع من قوة الاعتقاد المبنية على حفنة أكاذيب..!
لكن بين صدق هؤلاء أو كذب أولئك تبقى حقيقة واحدة لا مراء فيها “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”،ما لم يتغير المنطلق الذي يحكم علاقتنا بأنفسنا لا ينبغي لنا أن نتفاءل بحدود الإطار الذي يحكم علاقتنا بالآخر..!
قبل دارفور ذهب الجنوب قبل سنوات وتقلصت المساحة وانطلقت دعوات التعريب والأسلمة وتفاقمت حملات الفرز والتصنيف والإقصاء، ثم قامت ثورة قام بعض السياسيين باختطافها فاندلعت حرب أهلية برعاية خارجية “ظلت تتقوى بالحملات العنصرية وتتغذى على معضلة الهوية العائمة” ثم ها نحن أولاء نقف اليوم أمام إعلان حكومة موازية..!
مشكلة الثوار والخصوم والشعوب والحكام في بلادنا تكمن – باختصار – في نظرة الحاكم والمحكوم معاً إلى مفهوم الولاء والبراء السياسي، فالقادة السادة المثقفون – كما يقول لينين – هم أقرب فئات الشعب إلى الخيانة إذا ما لاحت نجوم المناصب..!
تاريخ الأحزاب السودانية مع تأليه الرموز وإقصاء دعاة الإصلاح ووأد حركات التجديد في مهدها يقول إن اللعبة قائمة برمتها على نهج الاستعلاء الفكري للقادة والإذعان والولاء غير المشروط للأتباع..!
حالة الأسياد في السياسة السودانية ليست ظاهرة أو عرضاً موسمياً بل تاريخ مقيم، صحيح أن الأحزاب الطائفية التي تقوم على ازدواجية الزعامة والانتماء – وبالتالي شراسة الولاء – كرست لهذا النمط من الممارسة السياسية، لكن السبب الرئيس – في تقديري – هو استعداد الشخصية السياسية السودانية – على إطلاقها – للتصوف في ممارسة العضوية الحزبية، والدروشة في حضرة الأسياد/الزعماء ..!
أما الزعيم المقدس نفسه ففي ولائه لمبادئ الحزب ومصالح الأتباع قولان، يشارك المعارضة أرباحها، ويقاسم الحكومة غنائمها، يخاطب الجماهير بمنطق السياسي ثم يخطب فيها بلسان الزعيم، ويعول في خلوده على نزعة التأليه وغلبة العاطفة التي أفسدت الممارسة السياسية في السودان..!
لعنة الاستقرار السياسي التي أطفأت وهج الثورات العربية وأهدرت أثمن مكتسباتها في ممارسة الطرق وانتهاج التجريب، هي التي تمسك اليوم بتلابيب هذا الشعب الذي أنتجت ثورته حرباً، وخلفت حربه انقساماً يقف على أعتاب التقسيم!.
munaabuzaid2@gmail.com






