كبسولة وعي
“السودان تحت غزو إماراتي” :
حين تُباع الخرائط بالدم، وتُغسل الجرائم بالدبلوماسية
ما يُسوّق للعالم كـ”صراع بين جنرالين”، يخفي غزوًا أجنبيًا مكتمل الأركان
كيف أصبح السودان ضحية لخريطة دموية قديمة تُنفّذ اليوم بأدوات ناعمة
الميليشيا مرتزقة، تموَّل وتُسلَّح وتُدرَّب من قِبل دولة الإمارات ..
بقلم: صباح المكّي
في وقتٍ تتعالى فيه الأصوات الدولية للتهدئة، تُرتكب في السودان واحدة من أفظع جرائم العصر بصمتٍ مريب، وبتواطؤ خطير.
ما يُسوّق للعالم كـ”صراع أهلي بين جنرالين”، يخفي في جوهره غزوًا أجنبيًا مكتمل الأركان، تُديره وتموّله وتغطيه دبلوماسيًا دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم من تحالفات عابرة للحدود — من كولومبيا إلى ليبيا، ومن تشاد إلى أوغندا.
هذه السلسلة — “السودان تحت غزو إماراتي” — لا تكتفي بتفنيد السردية الزائفة، بل تكشف الطبقات الأعمق من المشروع، من الأدلة الميدانية إلى الدعاوى القانونية، من الخرائط المُسرّبة إلى العقائد الاستراتيجية التي خطّها بن غوريون وبرنارد لويس، نفتح ملفًا مسكوتًا عنه عمدًا: كيف أصبح السودان ضحية لخريطة دموية قديمة تُنفّذ اليوم بأدوات ناعمة تحت شعارات “الاستقرار” و”السلام”.
الجزء الأول: يعرّي زيف السردية التي تُسوّق الحرب كـ”نزاع أهلي”، ويضع الأسس القانونية والسياسية لتوصيفها كغزو خارجي بالوكالة.
الجزء الثاني: يعرض الأدلة الميدانية الدامغة التي تدين الإمارات، من المجازر إلى التحقيقات الدولية، ويفضح شبكة الدعم العابرة للحدود.
الجزء الثالث: يغوص في جذور المشروع، من تل أبيب إلى واشنطن، ويكشف كيف تحوّلت الإمارات من كيان هامشي إلى أداة مركزية في تنفيذ خريطة تفتيت العالم الإسلامي.
الجزء الرابع: يتناول صمت العالم، وتواطؤ المؤسسات الدولية، وسكوت العواصم الكبرى، حيث تُغتال الحقيقة باسم “الحياد”، وتُبيّض الجرائم بعبارات دبلوماسية ناعمة، بينما تتقاطع مصالح الدول الكبرى على حساب دماء الأبرياء في السودان.
هذه ليست سلسلة تحليل سياسي، بل شهادة توثيق للمستقبل، ونقطة وعي للشعوب.
فحين تُختطف الرواية، تُختطف العدالة — وحين تُكشف الحقيقة، تبدأ المعركة الحقيقية.
السودان تحت غزو إماراتي (1)
حين يُعاد تعريف الاحتلال كحرب أهلية..
يفضح هذا الجزء التوصيف المضلل للحرب كـ«نزاع أهلي»، ويضع الأساس القانوني والسياسي لتوصيف ما يحدث كعدوان خارجي بالوكالة.
حين يُباع غزو السودان للعالم بغطاء الحرب الأهلية
منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، يصرّ الخطاب الإعلامي والدبلوماسي على توصيف النزاع بأنه «صراع على السلطة بين جنرالين».
غير أن هذا التوصيف يطمس الحقيقة: ما يجري في السودان ليس صراعًا داخليًا، بل “غزو خارجي بالوكالة” ، تنفّذه ميليشيا مرتزقة، تموَّل وتُسلَّح وتُدرَّب من قِبل دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم من شبكات المرتزقة العابرة للحدود، من كولومبيا إلى تشاد ودول أخرى.
هذا التوصيف المضلل لا يكتفي بتزييف الواقع، بل يوفّر غطاءً سياسيًا وإعلاميًا للمعتدين، يتيح لهم الإفلات من المحاسبة، ويُعقّد أي جهد حقيقي نحو وقف العدوان وإنهاء النزيف السوداني.
وأي مسار جاد نحو السلام والعدالة لا يمكن أن يبدأ إلا بتسمية الأمور بأسمائها:
ما يجري ليس حربًا أهلية، بل غزو أجنبي تُديره الإمارات وتُنفّذه ميليشيات مرتزقة، تتصدر قائمة مموليهم وداعميهم.
#لماذا لا ينطبق توصيف الحرب الأهلية على النزاع في السودان؟..#
يستند رفض تصنيف هذا الصراع كـ«حرب أهلية» إلى أسس قانونية، وسياسية، وأكاديمية راسخة:
الإطار القانوني الدولي — اتفاقيات جنيف وقضية تاديتش
تُعرّف اتفاقيات جنيف لعام 1949 النزاع المسلح غير الدولي (الحرب الأهلية) بأنه صراع بين القوات النظامية وجماعات مسلّحة منظمة ذات أصل داخلي.
وقد أكدت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة في قضية تاديتش (1995) أن النزاعات المتأثرة بشكل حاسم بتدخل أجنبي واسع لا تندرج ضمن هذا التصنيف.
في السودان، تعتمد ميليشيا الدعم السريع على تدفقات السلاح والتمويل والدعم اللوجستي من الخارج، مما ينتهك شرط «الأصل الداخلي» بشكل جوهري.
#المعيار السياسي — نموذج فيرون ولايتن#
يعتمد العالمان جيمس فيرون وديفيد لايتن، في دراستهما المرجعية المنشورة عام 2003 في المجلة الأمريكية للعلوم السياسية، تحت عنوان «العرقية، التمرد، والحروب الأهلية»، تعريف الحرب الأهلية بأنها:
«نزاع مسلح مستمر بين جماعات منظمة محليًا، يستند إلى تظلمات داخلية، ويتعلق بالسيطرة على الحكم أو الأرض أو السياسات».
غير أن الدعم السريع ليست حركة سياسية ذات قاعدة جماهيرية أو مشروع وطني، بل ميليشيا عائلية مغلقة تنتمي إلى شريحة إثنية ضيقة، وتفتقر لأي برنامج سياسي أو رؤية إصلاحية.
كما تعتمد على المرتزقة الأجانب والتمويل الخارجي، لا على دعم شعبي داخلي أو مظالم محلية واسعة.
الإجماع الأكاديمي — الموسوعة البريطانية
تعرف الموسوعة البريطانية الحرب الأهلية بأنها:
«صراع مسلح بين جماعات منظمة داخل الدولة الواحدة، يتعلق بالسيطرة على الحكم أو تحقيق الاستقلال أو إحداث تغييرات جوهرية في السياسات العامة، ويتميّز بغياب التدخل الأجنبي الحاسم».
لكن في السودان، لا تمتلك ميليشيا الدعم السريع القدرة الذاتية على إدارة حرب طويلة الأمد دون الاعتماد الكامل على الإمداد الخارجي، مما يُخرج النزاع من خانة «الحرب الأهلية» إلى خانة الغزو بالوكالة.
المعركة الثانية للسودان: تحرير الرواية وكسر الحصار الإعلامي
لن تُحسم معركة السودان في ميادين القتال وحدها، بل أيضًا في ساحة الخطاب والرواية.
فما دامت هذه الحرب تُقدَّم للعالم على أنها «نزاع أهلي» أو «صراع بين جنرالين»، سيظل المعتدون في مأمن من المساءلة، وتستمر آلة القتل دون عواقب.
إن معركة تحرير الرواية ليست مجرد قضية إعلامية، بل جبهة سياسية وقانونية أساسية لاستعادة الحق ومواجهة العدوان.
محاور خطة التحرك السودانية لتصحيح السردية وفضح الغزو الإماراتي:
التصعيد القانوني والدبلوماسي:
مواصلة الإجراءات أمام محكمة العدل الدولية (ICJ)، مع دعم الملف بأدلة إضافية تشمل: الصور، شهادات الأسرى، أشرطة الفيديو، والأسلحة الإماراتية المصادرة.
تحريك الملف في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لإعادة تصنيف النزاع كـ«عدوان خارجي» وفق القانون الدولي.
حشد الدعم الإقليمي عبر الاتحاد الإفريقي، جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي لتأكيد الموقف السوداني ورفض الرواية المضللة.
تسخير الإعلام الوطني والدولي لكشف الرواية الحقيقية:
إطلاق حملة إعلامية متعددة اللغات (العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية) بقيادة تلفزيون السودان القومي ووكالة الأنباء السودانية (سونا).
إعداد ملفات إعلامية شاملة (Media Kits) تتضمن: صور أقمار صناعية، فيديوهات وأدلة ميدانية، شهادات الضحايا، تحقيقات استقصائية.
ضمان حضور الرواية السودانية في كبرى القنوات الدولية مثل: BBC، CNN، France24، وAl Jazeera English.
تفعيل الحملات الرقمية باستخدام وسم فعّال يستهدف صُنّاع القرار والرأي العام العالمي.
تمكين الجاليات السودانية في الخارج كخط دفاع عالمي:
تنظيم مظاهرات سلمية وفعاليات توعوية أمام البرلمانات الأوروبية والأمريكية.
إطلاق حملات توقيع عرائض وتنظيم حملات ضغط (Advocacy Campaigns) في: واشنطن، بروكسل، لندن، وباريس.
بناء شراكات مع منظمات حقوقية ومحامين دوليين لدعم الملاحقات القضائية وإيصال صوت الضحايا إلى المنابر الدولية.
مواجهة التزييف الرقمي والحملات المضللة:
إنشاء وحدات رصد إلكتروني متخصصة لمتابعة الحملات الإعلامية الممولة التي تروّج لخطاب «الحرب الأهلية» أو «صراع الجنرالات».
الرد السريع والدقيق على الأخبار الكاذبة وتصحيح السردية عبر منصات التواصل الاجتماعي.
تدريب فرق إعلامية سودانية على تقنيات صناعة المحتوى الرقمي الموجّه للجمهور العالمي.
التوثيق المستمر للجرائم والانتهاكات:
تأسيس قاعدة بيانات رقمية موثقة قابلة للتحديث المستمر لاستخدامها أمام المحاكم الدولية والإعلام العالمي.
التعاون مع منظمات مثل: العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش، وأطباء بلا حدود (MSF) لإعداد تقارير دورية توثق هذه الجرائم وتدعم الرواية الحقيقية.
ختام الجزء الأول: حين تُختطف الرواية، تُختطف العدالة
إعادة توصيف غزو السودان كـ”حرب أهلية” ليس مجرد خطأ في السرد، بل تضليل متعمّد، يوفّر غطاءً سياسيًا وإعلاميًا للعدوان، ويمنح دولة الإمارات العربية المتحدة — الراعي الرئيسي لهذا الغزو — وشركاءها الإقليميين والدوليين الإفلات من المحاسبة.
فما يحدث ليس نزاعًا لغويًا أو انحرافًا تحليليًا، بل معركة على الرواية.
وحين تُختطف الرواية، تُختطف معها العدالة: يُمنح المجرم الحصانة، ويُدان الضحية بالصمت.
لذلك، لا يمكن لأي مشروع مقاومة أن يُكتب له النجاح دون تحرير الخطاب، وتفكيك السردية، وكشف الأدلة التي توثّق الغزو في ميدانه وشبكاته العابرة للحدود.
وهذا بالضبط ما يفتحه أمامنا الجزء الثاني من هذه السلسلة:
ننتقل من تحليل الخطاب إلى عرض الحقائق — صور، شهادات، مقاطع مصورة، تحقيقات دولية، وتحركات قانونية — تكشف البنية الكاملة للغزو الإماراتي، وتضعها أمام القارئ والرأي العام العالمي بوضوح لا يحتمل التأويل.
كل_القوة_دارفور_جوه
#القوات_المسلحة_السودانية_تمثلني
#الجيش_السوداني_يمثلني#
bitalmakki@gmail.com