هناك فرق
منى أبوزيد
عندما لا نكذب..!
“*” في عالم يتواطأ فيه الجميع على إخفاء الحقائق يصبح قولها عملاً فنياً ومجازفة”.. الكاتبة..!*
في طفولتي كنت أظن أن الرجولة نوع من النباتات البرية، تنمو على كتف أبي حين يمسك بيد أمي ويعبر بها شارع الحياة. وحين كبرت اكتشفت أنني كنت واهمة، الرجولة ليست نبتة، الرجولة هي الصدق، والأنوثة هي الصدق..!
لكن الصدق ليس فضيلة مريحة، بل هو أقرب ما يكون إلى خلع الضمادات عن الجروح، واحدةً تلو الأخرى. الصدق يُجرِّدك من الدفاعات، ويضعك في وجه الحياة كما أنت، هشّ، ومرئي، ومتّهم بالنوايا كلها..!
لكنني، رغم ذلك، صرت أقول الحقيقة دوماً، لا لأنني نقيّة، بل لأنني متعبة، سئمت من بناء العوالم المزيفة، والاعتذارات المغشوشة، والابتسامات التي تبرّدها الشكوك..!
الصدق لا يعني أن تقول كل شيء، بل أن لا تقول ما لا تؤمن به، أن لا تؤدي دور البطولة في مسرحية لم تكتبها، أن ترفض المجاملة إن كانت تخون قلبك، أن لا ترد على “كيف حالك” بكلمة “تمام” وأنت تسقط من الداخل..!
أن تخبر شخصاً أحببته أنك لم تعد نريده. دون أن تزعم أن المشكلة فيه، ودون أن تبحث عن حجج مريحة. أن تقول الحقيقة كما شعرت بها “قلبي لم يعد يسير ناحيتك”، فقط..!
حين تموت الكذبة الصغيرة فيك، تبدأ في رؤية العالم كما هو، حادّ الزوايا، بلا طلاء. تبدأ في سماع الأصوات التي كنت تكتمها داخل صدرك، وتدرك أن الصدق ليس خشونة، بل احترام “احترام للآخر، والقيمة اللحظة، ولنفسك”..!
الصدق يجعل معظم الناس يرحلون، لكنه أيضاً يقرّب الذين يستحقون البقاء،أولئك الذين يتحمّلون وجهك حين تنزعه من خلف الأقنعة، الذين لا يحتاجون منك إثباتاً غير حديث عينيك..!
أكتب الآن هذه السطور، بعد سنوات من التمارين القاسية على قول الحقيقة. لم أصبح قدّيسة، ولا أزال أحياناً ألوِّن الحقيقة كي لا تؤذي من أحب،لكنني لم أعد أكذب لأُجمّل نفسي، لم أعد أرتدي كلمات غيري..!
تعلمت أنني حين أقول “لا”، لا أكون قاسية، بل أضع حدودي. وحين أقول “أفتقدك”، لا أكون ضعيفة، بل صادقة بما يكفي لأخسر كبريائي..!
الصدق لا يجعل الحياة أسهل، لكنه يجعلها أعمق، وعن نفسي، إن عشتُ ألف حياة، فلن أختار سوى هذه “أن أكون أنا، حتى وإن كلفني ذلك أن أكون وحدي”!.
munaabuzaid2@gmail.com